تخطَّ إلى المحتوى

الرَّدُّ عَلَى مَنْ يُجِيزُ الِاحْتِفَالَ بِالْمَوْلِدِ الشَّرِيفِ

كلام أئمة المالكية


قال العلامة تاج الدين عمر اللخمي الإسكندراني الفاكهاني توفي 734 هـ


لَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْمَوْلِدِ أَصْلًا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا يُنْقَلُ عَمَلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، الَّذِينَ هُمْ الْقُدْوَةُ فِي الدِّينِ ، الْمُتَمَسِّكُونَ بِآثَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ ؛ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ أَحْدَثَهَا الْبَطَّالُونَ ، وَشَهْوَةُ نَفْسٍ اغْتَنَى بِهَا الْأَكَّالُونَ، بِدَلِيلِ أَنَّا إِذَا أَدَرْنَا عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ قُلْنَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا، أَوْ مُبَاحًا، أَوْ مَكْرُوهًا، أَوْ مُحَرَّمًا. وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا، وَلَا مَنْدُوبًا، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَنْدُوبِ مَا طَلَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ عَلَى تَرْكِهِ، وَهَذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ ، وَلَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَلَا التَّابِعُونَ [وَلَا الْعُلَمَاءُ]الْمُتَدَيِّنُونَ فِيمَا عَلِمْتُ . وَهَذَا جَوَابِي عَنْهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ عَنْهُ سُئِلَتْ . وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، لِأَنَّ الِابْتِدَاعَ فِي الدِّينِ لَيْسَ مُبَاحًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، أَوْ حَرَامًا .

الْمَوْرِدُ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ ١/٨ تَاجُ الدِّينِ الْفَاكِهَانِيُّ (ت ٧٣٤)

ابن الحاج المالكي توفي 737 هــ


فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا أَشْنَعَهَا وَمَا أَقْبَحَهَا وَكَيْفَ تَجُرُّ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ خَالَفُوا السُّنَّةَ الْمُطَهَّرَةَ وَفَعَلُوا الْمَوْلِدَ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى فِعْلِهِ بَلْ زَادُوا عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْأَبَاطِيلِ الْمُتَعَدِّدَةِ فَالسَّعِيدُ السَّعِيدُ مَنْ شَدَّ يَدَهُ عَلَى امْتِثَالِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى ذَلِكَ وَهِيَ اتِّبَاعُ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنَّا إذْ هُمْ أَعْرَفُ بِالْمَقَالِ وَأَفْقَهُ بِالْحَالِ. وَكَذَلِكَ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلْيَحْذَرْ مِنْ عَوَائِدِ أَهْلِ الْوَقْتِ وَمِمَّنْ يَفْعَلُ الْعَوَائِدَ الرَّدِيئَةَ وَهَذِهِ الْمَفَاسِدُ مُرَكَّبَةٌ عَلَى فِعْلِ الْمَوْلِدِ إذَا عَمِلَ بِالسَّمَاعِ فَإِنْ خَلَا مِنْهُ وَعَمِلَ طَعَامًا فَقَطْ وَنَوَى بِهِ الْمَوْلِدَ وَدَعَا إلَيْهِ الْإِخْوَانَ وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَهُوَ بِدْعَةٌ بِنَفْسِ نِيَّتِهِ فَقَطْ إذْ أَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ وَلَيْسَ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ مِنْ أَنْ يَزِيدَ نِيَّةً مُخَالِفَةً لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَعْظِيمًا لَهُ وَلِسُنَّتِهِ ﷺ وَلَهُمْ قَدَمُ السَّبْقِ فِي الْمُبَادَرَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ نَوَى الْمَوْلِدَ وَنَحْنُ لَهُمْ تَبَعٌ فَيَسَعُنَا مَا وَسِعَهُمْ.

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ اتِّبَاعَهُمْ فِي الْمَصَادِرِ وَالْمَوَارِدِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَصِيرَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا» انْتَهَى.

وَقَدْ وَقَعَ مَا قَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ فِي طَاعَةٍ وَمَنْ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بَخِيلٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَالَ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاء كَلَامًا مَنْظُومًا فِي وَصْفِ زَمَانِنَا هَذَا كَأَنَّهُ شَاهَدَهُ

ذَهَبَ الرِّجَالُ الْمُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ …

وَالْمُنْكِرُونَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُنْكَرِ

وَبَقِيت فِي خُلْفٍ يُزَكِّي بَعْضُهُمْ …

بَعْضًا لِيَدْفَعَ مُعْوَرٌ عَنْ مُعْوَرِ

أَبُنَيَّ إنَّ مِنْ الرِّجَالِ بَهِيمَةً …

فِي صُورَةِ الرَّجُلِ السَّمِيعِ الْمُبْصِرِ

فَطِنٍ بِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ …

فَإِذَا أُصِيبَ بِدِينِهِ لَمْ يَشْعُرْ

فَسَلْ الْفَقِيهَ تَكُنْ فَقِيهًا مِثْلَهُ …

مَنْ يَسْعَ فِي عِلْمٍ بِلُبٍّ يَظْفَرْ

المدخل لابن الحاج ٢/‏١٠-١١ — ابن الحاج (ت ٧٣٧)

ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا أَشْنَعَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا ابْتَدَعُوا فِعْلَ الْمَوْلِدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَشَوَّفَتْ نُفُوسُ النِّسَاءِ لِفِعْلِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي مَوْلِدِ الرِّجَالِ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلسَّلَفِ الْمَاضِينَ - رضي الله عنهم - أَجْمَعِينَ فَكَيْفَ إذَا فَعَلَهُ النِّسَاءُ لَا جَرَمَ أَنَّهُنَّ لَمَّا فَعَلْنَهُ ظَهَرَتْ فِيهِ عَوْرَاتٌ جُمْلَةٌ وَمَفَاسِدُ عَدِيدَةٌ فَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَوْلِدِ الرِّجَالِ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْضُ النِّسَاءِ يَنْظُرُ إلَى الرِّجَالِ فَيَقَعُ مَا يَقَعُ مِنْ التَّشْوِيشِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.

المدخل لابن الحاج ٢/‏١١ — ابن الحاج (ت ٧٣٧)