تخطَّ إلى المحتوى

تَعَامُلُ السَّلَفِ مَعَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا بَعْدُ:

سَأَقُومُ بِإِبْطَالِ أَكْبَرِ أُصُولِ فِرْقَةِ الْخَوَارِجِ مُتَقَدِّمِيهِمْ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ …أَلَا وَهِيَ تَكْفِيرُ كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِِّيلٍ.


آثَارٌ عَنِ الصَّحَابَةِ


ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ


عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:«ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر. ومن أقرّ به ولم يحكم، فهو ظالم فاسقٌ.

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (6/166) بإسناد حسن. «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114)

إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، كفر دون كفر.

أخرجه الحاكم (٢ / ٣١٣) وقال: «صحيح الإسناد». ووافقه الذهبي، وحقهما أن يقولا: على شرط

الشيخين. فإن إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في «تفسيره» (٦ /

١٦٣) عن الحاكم أنه قال: «صحيح على شرط الشيخين»، فالظاهر أن في نسخة «

المستدرك» المطبوعة سقطا، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار.

أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/574) بإسناد صحيح. «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (6/114)

وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (١٢٠٦٣) … ثم روى (١٢٠٤٧ - ١٢٠٥١) عن عطاء بن أبي رباح قوله: (وذكر الآيات الثلاث):

( كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم ) وإسناده صحيح.

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ٦/‏١١٤ — ناصر الدين الألباني (ت ١٤٢٠)

آثَارٌ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ


الإمام الآجري (المتوفى سنة: 360 هـ)

روى رحمه الله بإسناده اثرا ثم علق عليه قال: (حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا المثنى بن أحمد قال: حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: {وأخر متشابهات} قال: (أما المتشابهات: فهن آي في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرءوهن، من أجل ذلك يضل من ضل ممن ادعى هذه الكلمة، كل فرقة يقرءون آيات من القرآن، ويزعمون أنها لهم أصابوا بها الهدى)

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧] قَالَ: «أَمَّا الْمُتَشَابِهَاتُ: فَهُنَّ آيٌّ فِي الْقُرْآنِ يَتَشَابَهْنَ عَلَى النَّاسِ إِذَا قَرَءُوهُنَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُضِلُّ مَنْ ⦗٣٤٢⦘ ضَلَّ مِمَّنِ ادَّعَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ، كُلُّ فِرْقَةٍ يَقْرَءُونَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَهُمْ أَصَابُوا بِهَا الْهُدَى وَمِمَّا تَتْبَعُ الْحَرُورِيَّةُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَيَقْرَءُونَ مَعَهَا: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١] فَإِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ قَالُوا: قَدْ كَفَرَ، وَمَنْ كَفَرَ عَدَلَ بِرَبِّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مُشْرِكُونَ، فَيَخْرُجُونَ فَيَفْعَلُونَ مَا رَأَيْتَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ»

الشريعة للآجري ١/‏٣٤١ — الآجري (ت ٣٦٠)

الإمام المروزي

قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ، وَلَكِنْ كَافِرٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ، وَقَالُوا: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُهُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَقَالُوا: مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ فَيُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الْإِيمَانِ إِلَّا وَاسْمُ الْكُفْرِ لَازِمٌ لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ ضِدُّ الْإِيمَانِ إِلَّا أَنَّ الْكُفْرَ كُفْرَانِ: كُفْرٌ هُوَ جَحْدٌ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ فَذَلِكَ ضِدُّهُ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِمَا قَالَ، وَكُفْرٌ هُوَ عَمَلٌ ضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ، أَلَا تَرَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ كُفْرٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُ الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَيَرْكَبُ الْكَبَائِرَ إِلَّا مِنْ خَوْفِهِ، وَإِنَّمَا يَقِلُّ خَوْفُهُ مِنْ قِلَّةِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ، وَوَعِيدِهِ فَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْإِيمَانِ التَّعْظِيمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْوَرَعُ عَنِ الْخَوْفِ فَأَقْسَمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ: «لَا يُؤْمِنُ إِذَا لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»

ثُمَّ قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “قِتَالُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ” وَأَنَّهُ قَالَ: “إِذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِالْكُفْرِ، فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقِتَالِهِ أَخَاهُ كَافِرًا، وَبِقَوْلِهِ لَهُ: يَا كَافِرُ كَافِرًا وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ دُونَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُ مَنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا فَزَعَمَ أَنَّا إِذَا سَمَيْنَاهُ كَافِرًا لَزِمَنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فَنَسْتَتِيبُهُ وَنُبْطِلُ الْحُدُودَ عَنْهُ لِأَنَّهُ إِذَا كَفَرَ فَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَحُدُودِهِمْ وَفِي ذَلِكَ إِسْقَاطُ الْحُدُودِ وَأَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَإِنَّا لَمْ نَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى حَيْثُ ذَهَبُوا،

وَلَكِنَّا نَقُولُ: لِلْإِيمَانِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ، وَضِدُّ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ فِي كُلِّ مَعْنًى فَأَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ وَفَرْعُهُ إِكْمَالُ الْعَمَلِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، فَضِدُّ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ وَتَرْكُ التَّصْدِيقِ بِهِ وَلَهُ، وَضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ وَلَيْسَ هُوَ إِقْرَارٌ كُفْرٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ بِاللَّهِ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ….

تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي ٢/‏٥١٧ — محمد بن نصر المروزي (ت ٢٩٤)

ثم أورد هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه وبعض ألفاظ الحديث وطرقه

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،: ” ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ”

تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي ٢/‏٥٢١ — محمد بن نصر المروزي (ت ٢٩٤)

وفي هذا دليل على أن الكفر كفران عملي واعتقادي فالجاحد الذي ينكر أن في الإسلام حدا للزنا هذا كافر كفر اعتقادي ولو كان يطبق حد الزنا

أما الذي لا يطبق هذا الحد فهو كافر كفر عملي فاعل لكبيرة من كبائر الذنوب ولا نخرجه من الملة إلا إذا أصبح كافرا اعتقاديا…..ولا يمكنك أن تعرف إذا كان الزاني كافرا كفرا مخرجا من الملة أم كافرا كفرا لا يخرج من الملة إلا أن يتكلم بعقيدته أو يخطها بيديه… وإذا لم نشترط هذا فكل من نراه يشرب الخمر فهو كافر لأننا جعلنا الكفر الاعتقادي كالكفر العملي.


الْإِمَامُ السَّمْعَانِيُّ


﴿وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ﴾ قَالَ الْبَراء بن عَازِب - وَهُوَ قَول الْحسن -: الْآيَة فِي الْمُشْركين. قَالَ ابْن عَبَّاس: الْآيَة فِي الْمُسلمين، وَأَرَادَ بِهِ كفر دون كفر، وَاعْلَم أَن الْخَوَارِج يستدلون بِهَذِهِ الْآيَة، وَيَقُولُونَ: من لم يحكم بِمَا أنزل الله فَهُوَ كَافِر، وَأهل السّنة قَالُوا: لَا يكفر بترك الحكم، وللآية تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا مَعْنَاهُ: وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله ردا وجحدا فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ. وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: وَمن لم يحكم بِكُل مَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ، وَالْكَافِر هُوَ الَّذِي يتْرك الحكم بِكُل مَا أنزل الله دون الْمُسلم.

تفسير السمعاني ٢/‏٤٢ — أبو المظفر السمعاني (ت ٤٨٩)

وقوله ” وَالْكَافِر هُوَ الَّذِي يتْرك الحكم بِكُل مَا أنزل الله دون الْمُسلم.” أي الذي لا يفعل شيئا من شرائع الإسلام أي لا يصلي ولا يوحد الله ولا يحكم شرع الله في نفسه ولا في غيره

كلام العلماء المعاصرين

ابن تيمية رحمه الله

وإذا كان مِن قول السلف: (إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق)، فكذلك في قولهم: (إنه يكون فيه إيمان وكفر) ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة ٤٤] قالوا: كفروا كفرًا لا ينقل عن الملة، وقد اتبعهم على ذلك: أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة

(الفتاوى ٧/ ٣١٢).


وقال ابن عباس وغير واحد من السلف في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة ٤٤]، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة ٤٥] و﴿الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة ٤٧]: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم، وقد ذكر ذلك أحمد والبخاري

(الفتاوى ٧/ ٥٢٢).


وقد يكون مسلمًا وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية، كما قال الصحابة - ابن عباس وغيره - : كفر دون كفر. وهذا قول عامة السلف، وهو الذي نص عليه أحمد وغيره … كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة ٤٤] قالوا: كفر لا ينقل عن الملَّة وكفر دون كفر وفسق دون فسق وظلم دون ظلم

(الفتاوى ٧/ ٣٥٠).


ابن القيم


وهذا تأويل ابن عباس وعامة الصحابة في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة ٤٤] قال ابن عباس: ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر. وكذلك قال طاووس. وقال عطاء: هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق ” (مدارج السالكين ١/ ٣٤٥).


محمد بن عبدالوهاب


قال في بيان نواقض الإسلام: (الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت، على حكمه، فهو كافر.) الرسائل الشخصية

(ص: 213)، الدرر السنية (2/ 361)

(قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم به فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وتأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه كإبراهيم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم كسوالف البادية، وأمر المطاعين، ويرونه أنه هو الذي يبتغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر إذا عرفوا ما أنزل الله فلم يلتزموه، بل استحلوا الحكم بغيره فهم كفار، وإلا كانوا جهالا كما تقدم. وأما من كان ملتزما لحكم الله باطنا وظاهرا، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنْزلة أمثاله من العصاة. وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر يحكمون بغير ما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله، وقد تكلم الناس على ما يطول ذكره هنا، والذي ذكرته يدل عليه سياق الآية.) كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام ابن تيمية

(مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر) (ص: 147 - المسألة 122)

عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ

وإنما يحرُم إذا كان المستند إلى الشريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر، وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهوائهم، وكذلك البادية وعادتهم الجارية… فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها؛ فهو كافر، قال تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} … وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا: كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل، وأن كفره مخرج عن الملة

“منهاج التأسيس” (ص 71)

ابن باز

أما الذي سرى أن الواجب تحكيم شرع الله، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله، ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه ضد المحكوم عليه، أو لرشوة، أو لأمور سياسية، أو ما أشبه ذلك من الأسباب وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع، فهذا يكون ناقص الإيمان، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب، وهو بذلك يكون كافرا كفرا أصغر، وظالما ظلما أصغر، وفاسقا فسقا أصغر، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنه - ومجاهد وجماعة من السلف -رحمهم الله -، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم، والله المستعان.

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز ٢٤/‏٢٢٣ — ابن باز (ت ١٤٢٠)

ابن عثيمين


لكنْ لمّا كان هذا لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول، ولا يصح عن ابن عباس , فيقال لهم: كيف لا يصح وقد تلقّاه مَن هو أكبر منكم وأفضل وأعلم بالحديث؟ وتقولون: (لا نقبل)؟!

فيكفينا أن علماء جهابذة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما تلقّوه بالقبول ويتكلمون به وينقلونه. فالأثر صحيح

فتنة التكفير الحاشية ص ٢٤ - ناصر الدين الألباني (ت ١٤٢٠) شرح ابن عثيمين (ت ١٤٢١)